لكل شيء قياس.. فالزمن مثلا
يقاس بالايام والشهور والسنين، وتقاس المسافات بالامتار والاميال، وتقاس
الخبرات بالتعلم والمواقف. وحتى العلاقات والروابط بين الناس أصبحت تقاس
بمدى التوافق والاختلاف في العقول والميول والأمزجة.. وقد ظهر علم جديد
يقيس التجاذب والتنافر والرفض والقبول، عن طريق المسافة الشخصية بين
الافراد. ويفترض هذا العلم ان لكل انسان حيزا شخصيا، ومسافة محيطة به وأي
انتهاك لهذه المسافة، دون إذن او رضا، قد يتسبب في حدوث مشكلات. ويعتقد
علماء النفس، ان سعة المكان الشخصي وضيقه أصبحا من المؤشرات المهمة في
تحديد سلوك الانسان، من حيث سعادته او غضبه.. وتختلف أبعاد الحيز الشخصي او
المسافة الاجتماعية من شخص لآخر.. فهناك من يحب التقرب الى الآخرين او أن
يقربهم اليه، فتجده يكره ان يجلس بعيدا عن الناس في جلسات الطعام او
الكلام، ويرغب ان يكون حيزه ومحيطه الشخصي مملوءا بالناس والاشياء، ويستمد
حيويته وطاقته من مشاهدتهم والتحدث معهم او كثرة عددهم. وهناك من يحب ان
يكون حيزه الشخصي بعيدا ومحدودا، ولا يتحمل غزو الآخرين او اقتحامهم لحدوده
ومسافته الشخصية. ولذلك فان كثيرا من الحوادث والمشاجرات تحدث بين هؤلاء
والآخرين بسبب اقتحام الآخرين للخطوط الحمراء التي وضعوها لانفسهم.. ومن
امثلة هذه الحوادث مايحدث في الأماكن المزدحمة مثل الأسواق، أو الأماكن
الضيقة كما في الطائرات.. فالمسافرون يحاولون الحصول على حيز أفضل لأمتعتهم
في الخزائن الموجودة فوق الرؤوس او المقاعد الفارغة، ويغضبون عندما يحصل
انتهاك لهذا الحيز.. وتفسر المسافة الاجتماعية وحدودها مدى قوة العلاقة بين
الناس.. فعندما يحتضن الاب او الأم الأطفال ويلتصقون بهم حناناً وحباً،
فهذا دليل على التراحم والتعاطف في الأسرة.. أما إذا خاف الطفل من الاقتراب
من والديه، وفضل تجنبهما والابتعاد ما أمكن عنهما، فان هذا دليل على جفاف
المشاعر وضعف العلاقة بين الاثنين.. ويقدم عالم النفس الاميركي جيرارد
إيفان مثالاً آخر على انعكاس حدود المسافة الاجتماعية على الناس فيقول:
عندما تدخل مطعما وتجد شخصين يجلسان على طاولة واحدة، ويتحدثان باهتمام،
ويميل جسماهما ورأساهما الى بعض، فاعرف ان العلاقة بينهما قوية.. أما إذا
شاهدت شخصين آخرين على طاولة واحدة، والمسافة بينهما بعيدة، ولا يكاد
أحدهما يسمع الآخر، وكأن كلا منهما لوحده، فان هذا دليل على علاقة ضعيفة أو
متوترة.
أتمنى
الاستفادة للجميع .....